القوانين المجحفة وضعف الصفقات الحكومية يُعرقل خطة المغرب لاقتحام نادي أكبر الدول الإفريقية التي تستثمر في الشركات الناشئة
في خضم التحول الاقتصادي والتكنولوجي، يعمل المغرب على تحفيز نمو الشركات الناشئة، مع التركيز على التكنولوجيا والابتكار، بعد أن أعلن رغبته في أن يصبح من بين الثلاثة الأوائل لأكبر المستثمرين في الشركات الناشئة في أفريقيا، في غضون الخمس سنوات المقبلة، وهو التحدي الذي تعرقله مسألة التمويل والبيروقراطية بشكل أساسي ويُلزم الحكومة والقادة الاقتصاديين والصناديق الاستثمارية، بالعمل على تشكيل مستقبل حيث يحتل الابتكار والتكنولوجيا مكانة مركزية.
وتوضح مبادرة "المغرب الرقمي" هذه الديناميكية، التي تهدف إلى جعل المغرب، خلال خمس سنوات، ثالث أكبر مستثمر في الشركات الناشئة في القارة، خصوصا وأن سنة 2023، عرفت قفزة نوعية على مستوى الاستثمارات في هذا القطاع بنسبة بلغت 93%، مما يعكس تزايد جذب رواد الأعمال إلى السوق المغربية، التي باتت خصبة لاستقطاب المستثمرين، الأمر الذي يدعمه أيضا إنشاء حوالي عشرة صناديق استثمار عامة وخاصة، تم إنشاؤها لتشجيع الابتكار.
وما يؤكد إيجابية التقدم الذي يحرزه القطاع، هي المعطيات التي ترجمها تقرير النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة (GSER) الصادر عن StartupBlink، والذي أظهر أن المغرب يحتل حاليا المرتبة 34 في العالم، مما يعكس حيوية نظامه البيئي لريادة الأعمال، كما تبرز الدار البيضاء، على وجه الخصوص، كمركز للابتكار في شمال أفريقيا، حيث تحتل المرتبة الثالثة في مؤشر النظام البيئي الإقليمي للشركات الناشئة، خلف القاهرة وتونس مباشرة.
وتتصدر جنوب أفريقيا، دول القارة السمراء في جذب الاستثمارات في الشركات الناشئة إذ حققت صفقات التمويل التي ظفرت بها العام الماضي أكثر من نصف مليار دولار، تليها نيجيريا بـ 469 مليون دولار، ثم مصر بحوالي 433 مليون دولار من إجمالي صفقات التمويل، وكينيا بـ 335 مليون دولار.
وشرع المغرب منذ 10 سنوات، في مأسسة تشجيع صناديق الاستثمار على الاهتمام بالشركات الناشئة، من خلال مبادرة الحكومة والقطاع المصرفي، لإنشاء "صندوق المغرب الرقمي"، الذي كان اللبنة الأولى في هذه المنظومة التي تضم حاليا أكثر من 10 صناديق استثمارية حكومية وخاصة، نجحت في توقيع 17 صفقة بلغت قيمتها 93 مليون دولار العام الماضي بزيادة 252% على أساس سنوي في 2023 بحسب تقرير تصدره منصة "بارتك" (Partech).
وعلى الرغم من أن الوصول إلى التمويل يأتي في مقدمة التحديات التي تواجهها هذه الصناديق، إلا أن صناديق الاستثمار المغربية الرئيسية ضخّـت سلفا حوالي 44 مليون دولار في السنوات الأخيرة فيما تهدف من خلال هذه الصفقات الأخيرة إلى مضاعفة هذا الرقم، مع التركيز على الشركات الناشئة في قطاعات الصحة والفلاحة والصناعة.
واستثمر صندوق المغرب الرقمي، منذ إنشائه عام 2010، حوالي 25 مليون دولار في 26 شركة ناشئة، كما ان صندوق الإيداع والتدبير الحكومي الذي أطلق عام 2019 برنامجاً لدعم الشركات الناشئة باسم "212Founders"، ويعتبر ثاني الصناديق المستثمر في المجال ضخ إجمالي 12 مليون دولار إلى هذا النظام البيئي، ويعتزم زيادة التمويلات أكثر، فيما قامت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية التي أسستها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، المملوكة للدولة، بإطلاق صندوق "UM6P Ventures" قبل سنوات قليلة وبلغت استثماراته 7 ملايين دولار منذ 2021، ويعتزم ضخ 50 مليون دولار في السنوات المقبلة، مع التركيز على الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العميقة في مجالات متنوعة مثل الزراعة والكيمياء والرعاية الصحية والتقنيات الخضراء.
وعلى الرغم من هذه الجهود الحثيثة التي يبذلها المغرب لتطوير مكانته في إقليميا في تطور الشركات الناشئة، إلا أن عقبات عديدة تعيق التقدم المنشود بما فيها العقود الحكومية المحدودة في كثير من الأحيان، وعدم كفاية الطلب على الخدمات العامة، كلها فضلا عن صغر حجم السوق المحلية وعدم استغلال إمكانيات المملكة، في ظل تلهف المستثمرين إلى السوق الأفريقية واعتبارها أرض خصبة، تستهدف الشركات الناشئة ليس فقط في أفريقيا، ولكن أيضًا في أوروبا والخليج، كما لا يزال الافتقار إلى البنية التحتية والموارد يشكل عقبة يجب التغلب عليها، ويعد التعليم والتدريب على المهارات الرقمية أمرا حاسما لإعداد الشباب المغاربة لسوق العمل وتعزيز النمو الاقتصادي.
ويضع مؤشر الابتكار العالمي 2023 الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية قطاع الشركات الناشئة في المغرب، في المرتبة 70 على المستوى العالمي بسبب ضعف الوصول إلى التمويلات الذي يؤخر ترتيب المملكة ضمن هذا المؤشر الذي يرصد تطور رأس المال الاستثماري عبر العالم.
ويُجمع رؤساء الصناديق الاستثمارية في المغرب من جانبهم، على أن إمكانيات المغرب في مجال تمويل الشركات الناشئة أكبر مما هو محقق في الواقع، إذ يؤكد عمر الحياني، في مقابلات مصورة لـ "الشرق" أن عدم تطور هذا القطاع في ثلاثة معوقات هي القوانين التي لا تُسهل إنشاء شركات ناشئة في قطاعات التكنولوجيا المالية والتأمين والصحة، وضعف الاستفادة من الصفقات الحكومية وعدم الإقبال على خدمات هذه الشركات من طرف الدولة، إضافة إلى تواضع حجم السوق المحلية.
ونوه عمر الحياني بـ"السوق المغربية" لافتا إلى أنها "ليست كبيرة بما فيه الكفاية بالنسبة للشركات الناشئة ولذلك ندعم رواد المشاريع لاستهداف الأسواق الأخرى على رأسها أفريقيا وأوروبا والخليج لبيع المنتجات وتوسيع قاعدة العملاء".
من جهة ثانية، تبدو التوقعات لعام 2024 "مشجعة"، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد الشركات الناشئة في المغرب بنسبة 20% ليتجاوز 1500 شركة، كما يتوقع أن تنمو عائدات الشركات المغربية بنسبة 15% لتبلغ حوالي 200 مليون دولار.
وتوفر قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصحة والتكنولوجيا الحيوية، فضلاً عن السياحة، فرصاً كبيرة، إذ استثمرت الوزارة أكثر من 8 مليارات دولار في قطاع السياحة، وهو القطاع الذي يواصل النمو ويوفر فرصًا للشركات الناشئة التي تركز على التجارب السياحية وحجز الفنادق وإدارة عروض السفر.